الألعاب

اللعب ليس مجرّد ممارسة عفوية يمرّ بها الإنسان في مرحلة الطفولة، بل هي ممارسة مقصودة يراد للمربي أن يقوم بها مع الطفل في هذه المرحلة، وهذا ما يفيده قول النبي الأكرم (ص): (لاعب ابنك سبعاً)، وهو الحديث الذي يشرحه بعضهم بالقول: وقال (ص): "لاعب ابنك سبعا، وأدبه سبعا، وصاحبه سبعا، ثم اترك له الحبل على الغارب". إذن: فمراحل الحياة الأولى للرجل ثلاث: أولها الطفولة، وثانيها الصبا، وثالثها الفتوة، وهو في هذه المراحل كل على أبيه، وأبوه هو المسؤول عنه في إعداده للحياة الثانية التي يستقل بها عن أبيه ويشق طريقه في الحياة، وأما مراحل الحياة فثلاث: أولها الشباب، وثانيها الكهولة، وثالثها الشيخوخة. وهو في هذه المراحل كل على نفسه، وعلى هذه المراحل تقوم رجولته فإما إنسان يملأ فراغا في مجتمعه، وإما نكرة مهمل إذا حضر لا يعد وإذا غاب لا يفقد) [شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع)، السيد القبنجي، ص 586].
ومن خلال هذا الأسلوب من التعليم والتعلم يقوم المدرس بتعليم وغرس مجموعة من المهارات الضرورية التي تستدعيها الحياة اليومية لكل إنسان في ما يواجهه من مشاكل وعقد مختلفة، وإلى جانب عنصر المتعة والتحدي والإثارة التي تحققها اللعبة عبر محاولات الحل التي يقوم بها أفراد الدورة فإنه يتمّ خلق وتركيز مهارات ضرورية ومستجدة في نفوس الطلاب. وتستدعي الدورات التعليمية التي تقوم على أساس التعليم باللعب الأمور التالية:
1- صندوق الألعاب: وفيه على الأقل عشرة ألعاب تعتمد أساساً أسلوب التفكيك وإعادة التركيب، وهي المهارة المشتركة التي يفترض أن يستحصلها جميع الطلاب من وراء الدورة التعليمية.
2- المدرس المقتدر الذي يعمل على تعليم المهارات للطلاب ونقلها إليهم وإشعارهم بقدرتهم على حل مختلف المشاكل التي من الممكن أن تواجههم في حياتهم عبر تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وأهم ما في هذا الدور الذي يؤديه المدرس هو تعليم وترسيخ القواعد العامة والكلية التي تسهم في حل كل المشاكل والعقد في نفوس طلابه والعمل على تثبيتها وترسيخها في أعماق نفوسهم.
3- من الأفضل أن يكون مكان الدورة يتسع إلى المدرس وعشرة طلاب يستطيعون مواجهة بعضهم البعض وأن يرى كل واحد منهم الآخر، ومن المستحسن أن تكون الجلسة دائرية أو مثل حرف النون العربي ويكون موقع المدرس موقع النقطة فيها.
4- مدة الدورة عشر مراحل، ومدة كل مرحلة بين ساعة وساعتين بحسب تفاعل الطلبة وسرعتهم أو بطؤهم في حل العقدة المحددة لكل درس، وبحسب اتساع الوقت للمادة المعرفية التي يقدمها المدرس للطلاب أثناء كل مرحلة.
5- يعمل المدرس على تحضير مادة معرفية تستلهم العقدة التي تهدف اللعبة حلها في كل مرحلة، ويحاول أن يوظف طريقة حل العقدة في تعليم الطلاب كيفية معالجة المشاكل والأزمات والعقد التي من المفترض أو من الممكن أن تواجههم في حياتهم.
ويمكن أن نتبين الأثر السيئ المترتب على إهمال هذه المرحلة في حياة الطفل جراء عدم توفر المربي المعلم الذي يلاعب الطفل ويعلمه من خلال اللعب، وليس من خلال أية وسيلة أخرى من خلال حديث أحد العلماء عن معلميه في مرحلة الطفولة بالقول: (ولدت في قرية أنصار -جبل عامل- ولا تختلف نشأتي الأولى عن سائر المواطنين في جبل عامل، فقد جرت العادة يومذاك أن يبدأ تعليم الطفل في السنة السابعة عملا بحديث مروي "اتركه سبعا وأدبه سبعا" فعانيت من جهل معلمي سامحه الله وتأثير أسلوبه البدائي على نفسي وتفكيري، وبعد ذلك انتقلت لمدرسة القرية الرسمية، كان المعلم فيها شيخا قريبا في تفكيره ومنهجه من الأول، يعلم الطلاب الكبار منهم والصغار، سائر الدروس، وحده لا شريك له، ويرتفع مستواه بنظر المواطنين عن غيره ممن يتعاطى هذه المهنة فهو موظف رسمي راتبه من الدولة)

...إقرأ المزيد