السعادة في كل الأعمال



آفاق العمل التطوعي
المتطوعون في أي مجتمع هم أولئك الأفراد الذي يبذلون قصارى ما يملكون من وقت وجهد وخبرة ومعرفة في سبيل خدمة مجتمعهم ووطنهم حتى يتكامل المجتمع ويتعاون دونما مقابل مادي إلا ما يرجونه من رضا الباري عز وجل من أجر ومثوبة.ولقد ارتبط العمل التطوعي في مجتمعنا ارتباطا وثيقاً بالعمل الخيري بكل معاني الخير والصلاح من مساعدة للفقراء والأيتام والمعوزين والمرضى وأصحاب الحاجات...وقد تطور العمل الخيري في مجتمعاتنا في العقد الماضي بالخصوص تطوراً ملموساً برز من خلال تطوير وسائل إدارة هذا العمل بطرق مؤسسة فاعلة واعتماد أسلوب التخصيص والتخطيط لإدامته واستمراره واستقطاب الأعداد المتزايدة من المتطوعين المتخصصين في جميع المجالات مما أسهم في تكريس انتماء الفرد إلى مجتمعه وتطوير الخدمات المقدمة إليه. ولقد أضحت الجمعيات الخيرية موقعاً لتفجير الطاقات المختلفة واحتضان الإبداعات الشابة ومناخاً للتعاون الجماعي المثمر وفرصة سانحة للكثيرين لإبراز إبداعاتهم في مختلف قنوات العمل الخيري المؤسسي. إن تحول الجهد الخيري من جهد فردي عشوائي إلى جهد جماعي منظم يطبق الأسس العلمية في الإحصاء وطرق التوزيع والبحث يتطلب توفير الإمكانيات المالية والكوادر المتخصصة المدربة في جميع المجالات لاسيما مع تطور وازدياد الحاجات وانفجار السكان وتشعب المطالب الحياتية وتعقدها... مجالات العمل التطوعي:تتسع دائرة العمل التطوعي في العالم المتقدم فلا تختص بالجانب الخيري من رعاية الفقراء والأيتام والمرضى والمسنين وتقديم أسباب الرعاية والعناية بهم بل تتجاوز ذلك لتشمل جوانب الحياة بأكملها، كالمحافظة على البيئة والسعي لحمايتها من أخطار التلوث والمواد الضارة، والتطوع للتعريف بالآثار التاريخية والمعالم السياحية، ومساعدة المزارعين على مقاومة الآفات والحشرات، وبناء المشافي والمساكن للفقراء والمحتاجين، وفي أوقات الأزمات حيث تحل الكوارث بالمجتمعات مثل الزلازل والأعاصير والفيضانات والحروب و تنشط القوى التطوعية في أعمال الإنقاذ وتوزيع الأدوية والملابس والغذاء والبطانيات ونحو ذلك.ولا نرى هذا الاندفاع في مجتمعاتنا الإسلامية على تلك الأعمال رغم حث الإسلام للإنسان على مساعدة أخيه الإنسان بشتى السبل و الوسائل وحثه على عمل الخير وتواتر الآيات والأحاديث الشريفة على ذلك، منها قوله تعالى: ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ﴾، وقوله تعالى: ﴿ ومن تطوع خيراً فهو خيراً له ﴾.وفيما روي عنه : «أن لله عباداً إختصهم لقضاء حوائج الناس، حببهم للخير وحبب الخير إليهم..، أولئك الناجون من عذاب يوم القيامة..».والتطوع لتقديم المساعدة للآخرين عمل جليل رغب فيه الدين ووعد القائمين به أجراً عظيماً ويمكن جني الفوائد منه دنياً وآخرهً بمشيئة الله تعالى.تعزيز مفهوم العمل التطوعي:يمكننا تعزيز مفهوم العمل التطوعي عن طريق نشر ثقافة التطوع في المجتمع وبيان الفوائد الكامنة جراء القيام بالإعمال التطوعية من فوائد دنيوية وأخروية وأن يقوم بذلك المثقفون والكتاب والإعلاميون والأدباء والمعلمون والخطباء وأئمة المساجد كل في موقعه.. وكذلك زرع الدافعية في نفوس الشباب.. إذ لا يخفى على أحد أن الشباب لديهم مخزون هائل من الطاقة والاندفاع والرغبة في الإنجاز والانتماء، ويحسون بالضيق والتبرم من الفراغ ويحتاجون إلى عمل يخرجهم من الملل والرتابة...وفي أوقات الأزمات والطوارئ حيث تكثر الأعباء على الأجهزة التنفيدية فإن الحاجة ملحة لقيام نوع من التكافل والتكامل بين القطاع العام والقطاع الأهلي واستثمار طاقات الشباب بما ينفعهم، وغرس روح حب الوطن والانتماء إليه واستغلال أوقات فراغهم بالمفيد وتنمية الشعور بالواجب الوطني وإكسابهم مهارات إدارية وتربوية.. كي يقوموا بخدمة وطنهم ويعبرون تعبيراً حسياً عن حب الوطن ورد الجميل إليه.وطني لو شغلت بالخلـد عنـه نازعتني إليه في الخلد نفسي برامج عملية مقترحة لنشر ثقافة العمل التطوعي: 1- قيام الجهة الرسمية المعنية بالإغاثة «الدفاع المدني» بطباعة النشرات والكتيبات الناشرة لثقافة العمل التطوعي الإغاثي ونشر الدراسات والبحوث المختلفة المبينة لذلك بالتعاون مع جهات الاختصاص كالجامعات والمعاهد المتخصصة.2- قيام الدفاع المدني بدورات تدريبية نظرية وعملية في أعمال الإغاثة والإنقاذ وطرق الإخلاء والإسعاف، والتدريب على حماية الأنفس من الحرائق والكوارث والفيضانات والتدرب على قوانين السلامة وفق أسس علمية.3- تشجيع الطلاب والطالبات على الانخراط والتدرب على أعمال الإغاثة والإنقاذ وبيان فوائد ذلك على الفرد والمجتمع بالتنسيق مع المدارس والجامعات.4- تشجيع إنشاء لجنة وطنية تطوعية للكوارث والأزمات على مستوى المملكة وبرعاية وزارة الشؤون الاجتماعية والدفاع المدني في كافة المدن لتنضوي تحتها كافة فرق ولجان المتطوعين الخاصة بالكوارث والأزمات.5- تشجيع الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة والشركات على استحداث إدارة أو قسم خاص بإدارة شؤون المتطوعين لوضع البرامج العملية الخاصة للتدريب على أعمال الطوارئ في مرافقها، وإقامة الدورات التدريبية والتجارب الوهمية وعند الحاجة تقوم تلك الإدارات بالتعاون مع الدفاع المدني بدعوة هؤلاء المتطوعين للعمل عند حدوث الأزمات وتوفير الإمكانات البشرية والمادية لهذه الإدارات وتسهيل عملها.6- تشجيع وسائل الإعلام كالصحافة والإذاعة والتلفزيون على حث الشباب على القيام بالأعمال التطوعية وبيان فوائدها وتغطية أنشطة المتطوعين واستعراض تجاربهم وخبراتهم ليكون ذلك حافزاً معنوياً لهم، ودفعاً لغيرهم للمشاركة.7- تسهيل الإجراءات الرسمية وتبسيطها لمن يرغب في التطوع والسماح للمتطوع وفق ضوابط معينة بالاستئذان من عمله أو دراسته.8- إقامة الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والمهرجانات السنوية مصاحبة بالحملات الإعلامية الموجهة عن فوائد العمل التطوعي وإبراز تجاربه وأهدافه.9- تقديم المكافآت المعنوية للمتطوعين كشهادات الشكر من كبار مسئولي الدولة والأنواط والأوسمة والهدايا الرمزية.إدارة العمل التطوعي:إن دعوة الأفراد للعمل التطوعي يجب أن يسبقه توجه جاد في احياء هذا الدور ورسم سياسة عملية طويلة المدى تبدأ في تحديد ما نريده من هؤلاء المتطوعين والأهداف التي نسعى لها وتحديد الأنشطة والمجالات المطلوبة. إننا نحتاج أن نعزز ثقافة العمل التطوعي خصوصاً أن مرتكزاتنا الدينية تركز على هذا الجانب وتدعو إليه ورغم تطور العمل الخيري كما أسلفنا إلا أنه يحتاج الكثير من الجهد ليرقى إلى مصاف العمل النموذجي فا الحاجات في تزايد ومطالب الحياة لا تتوقف. ومن ثم فإن التحديات كبيرة. وينبغي الاستفادة من خبرات الجمعيات الخيرية في تجذير العمل ووضع الخطط والاستراتيجيات وترتيب الأولويات وتطوير الكوادر وتوزيع الأدوار بين هذه الطاقات في لجان متخصصة وإذكاء روح العمل التعاوني. خاتمة:إن وجود الرؤية الواضحة لدى العاملين في إدارة العمل التطوعي مهم جداً في استشراف آفاق عبر وضع الأهداف الطموحة بما يحقق تطلعات أفراد المجتمع...ولن تتحقق هذه التطلعات إلا بتكاتف الجهود والطاقات ودعم كافة فعاليات المجتمع تحقيقاً لرباط الأخوة وتجسيداً لمعاني التكافل والتراحم.«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

...إقرأ المزيد